بريطانيا تشدد قوانين مكافحة الاحتيال الإلكتروني

بريطانيا تشدد قوانين مكافحة الاحتيال الإلكتروني: تحرك حازم تجاه تهديد رقمي متزايد
في ظل تنامي التهديدات السيبرانية على مستوى العالم، أعلنت الحكومة البريطانية عن إجراءات جديدة تهدف إلى تعزيز مكافحة الاحتيال الإلكتروني، في خطوة جادة وصارمة تتجاوز التحركات الأميركية التي تُوصف غالباً بـ”المتساهلة”. وتُعد هذه الخطوة جزءاً من خطة وطنية شاملة لحماية المستخدمين، ومساءلة المنصات الرقمية التي طالما اعتُبرت ملاذاً آمناً للمحتالين.
■ موجة احتيال رقمية تضرب بريطانيا
تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن الاحتيال الإلكتروني أصبح الجريمة الأكثر انتشارًا في بريطانيا، حيث يُسجَّل آلاف الضحايا شهريًا نتيجة لعمليات احتيال عبر الرسائل النصية، البريد الإلكتروني، والمكالمات المزيفة التي تنتحل صفة بنوك أو مؤسسات رسمية.
هذه الهجمات تستهدف بشكل خاص كبار السن، والضعفاء رقمياً، والمستخدمين الجدد، وغالباً ما تنطوي على خداع متقن يصعب على الكثيرين تمييزه.
■ القوانين الجديدة: رقابة ومحاسبة للمنصات
في إطار الاستراتيجية الجديدة، تُعد الحكومة البريطانية مشروع قانون يفرض مسؤوليات قانونية مباشرة على شركات التكنولوجيا وتطبيقات التواصل الاجتماعي مثل واتساب، تيليغرام، ماسنجر، وسناب شات، لمنع استخدامها كمنصات لنشر رسائل احتيالية أو روابط خبيثة.
ويتضمن المشروع:
-
إلزام المنصات بآليات تحقق من هوية المستخدمين
-
تطوير أدوات ذكاء اصطناعي لرصد الأنشطة المشبوهة
-
فرض غرامات كبيرة على الشركات المتقاعسة عن حماية مستخدميها
-
تعاون وثيق مع البنوك والمؤسسات المالية لكشف محاولات الاحتيال مبكرًا
■ المقارنة مع الولايات المتحدة: تباين في النهج
على عكس بريطانيا، لم تُظهر الولايات المتحدة حتى الآن نفس الحدة في محاسبة منصات التكنولوجيا بشأن الاحتيال الإلكتروني. فبينما تركز واشنطن على قضايا الخصوصية والمنافسة، فإن لندن توجه تركيزها إلى سلامة المستخدمين الرقمية والمالية.
وهذا ما دفع بعض المراقبين إلى وصف التحرك البريطاني بأنه “درس في الحماية الرقمية”، خصوصاً في ظل تزايد تعرض المستخدمين في بريطانيا لخسائر مالية فادحة جراء الاحتيال الرقمي.
■ الدعم الشعبي والمؤسساتي
تلقى الخطة الجديدة دعمًا واسعًا من المؤسسات المالية، ومنظمات حماية المستهلك، والمجتمع المدني، الذين طالما طالبوا بمساءلة شركات التكنولوجيا الكبرى عن محتوى ما يُنشر على منصاتها.
كما أعرب الكثير من المواطنين عن ارتياحهم لهذه الخطوة، معتبرين أنها تعيد التوازن في العلاقة بين المستخدمين والمنصات الرقمية التي استغلت لسنوات قاعدة “عدم المسؤولية عن المحتوى”.
■ ماذا بعد؟
القوانين المقترحة من المنتظر أن تُعرض على البرلمان البريطاني خلال الأشهر المقبلة، وإذا تم إقرارها، فستدخل حيز التنفيذ قبل نهاية عام 2025. وستكون بمثابة سابقة عالمية قد تدفع العديد من الدول — خاصة في الاتحاد الأوروبي وآسيا — إلى اتخاذ إجراءات مشابهة.
■ كلمة أخيرة
ما تقوم به بريطانيا اليوم هو إعلان واضح بأن الحماية الرقمية ليست رفاهية، بل ضرورة وطنية، وأن الشركات التقنية — مهما بلغ حجمها أو نفوذها — ليست فوق القانون. وفي عالم يتجه نحو الاعتماد الكامل على التقنيات الرقمية، فإن تأمين هذا العالم ليس خيارًا… بل التزام.